السبت، 19 سبتمبر 2009

في الهوا

خرج من النافذة في بطء حذر، تعالى الصياح من أعلى وأسفل " استر يا رب " " لا إله إلا الله "، كان يعرق...


أمسك أعصابه بقبضة حديدية، وتمسك بذلك الحبل الغليظ، وهو يلقي نظرة خاطفة على ذلك الارتفاع الشاهق، يا الله لا يمكن أن يسقط اليوم.. إن العيد على الأبواب ولا يريد أن يقضيه في التراب..


برأسه أومأ للرجل الواقف في النافذة، فأرخى نحوه حزاماً غليظاً في نهايته خطاف، بيدٍ واحدة أخذ يثبت الخطاف بإحدى عقد الحبل، يده الأخرى تتشبث بحافة النافذة..


يخبرونه أن يتمهل، لكنه لا يحتاج إلى نصائحهم، ليست المرة الأولى، لكنها قد تكون الأخيرة، نظر إلى الرجل الواقف في النافذة مرة أخرى، قال له بصوت خفيض:


- لو جرالي حاجة.. خد بالك من ولادي..


ثم بدأ عمله، تدلى فوق الحبل ليبتعد عن النافذة، بمطرقته يكسر تلك الماسورة الغليظة الصدئة ويركب أخرى جديدة في حنكة، كل هذا وهو معلق في الهواء..


فقد تركيزه للحظة..


المطرقة تهوى عليه من أعلى تكاد تهشم رأسه، الخطاف ينزلق من عقدة الحبل نتيجة لحركته المباغتة، رأسه لأسفل وقدمه لأعلى وأصابعه تقبض على آخر الحبل كآخر أمل لديه في النجاة..


دنا الموت من شفتيه يود تقبيلهما..


رأى صورة أولاده يبكون، امرأته تولول عليه، تصرخ، تصرخ..


عاد إلى واقعه وزاد تشبثه وهم يرفعونه ببطء وتوتر بلا حدود، وصل إلى النافذة من جديد، زفر بالشهادة ومسح عرقه، ثبَّت الخطاف مرةً أخرى، تدلى وهم يصيحون به أن يتمهل، لكنه لا يحتاج إلى نصائحهم..


إنها ليست المرة الأولى..


وقد عزم ألا تكون الأخيرة....




17 سبتمبر 2009