الخميس، 14 مايو 2009

صوت الصمت!!


الصمت يخيم ويسيطر على كل شيء، على الأجواء الخانقة، على الأنفس اللاهثة من شدة الحرارة، على الوجوه المكدودة المرهقة، يسيطر عليها ثم يتخلله دقات رتيبة مملة: تن.. تن.. تن..


أستمع إلى الصمت والدقات التي أصبحت جزءاً منه، وأنا أقف متأملاً تلك الوجوه حولي والتي صمتت بدورها متأملةً...


شيءٌ غريب يجبرني على الصمت ويجبر صديقي أيضاً عليه، فننظر لبعضنا البعض دون أن نتحدث ثم نشيح بوجوهنا كأن عيوننا لم تتلاقَ، تأتي وفود جديدة من بعيد ضاحكة مبتسمة ما إن تصل إلينا حتى تقف صامتة وقد تلاشت ابتسامتها وحلت محلها نظرة لا تدرك معناها، تندمج معنا في بوتقة الصمت الرهيب كأنما نقف في سرادق عزاء..


أنظر حولي.. هنا وهناك.. يميناً ويساراً.. هم بشر مثلي، نعم لا أعرفهم لكن من قال أني أعرفني؟!..


أتجول بنظري بينهم، أرى فتاة جميلة المحيى، رائعة الجمال، لها عينان بنيتان كورق الشجر في الخريف، ويدان مكتنزتان تلمع فيهما الخواتم الذهبية، أفتح عيني في ذهول لأتأكد من كونها من أظن أنها هى، أراقبها وهى تُخرج منديلها الأحمر الكبير وتمسح عرقها الذي تصبب غزيراً على جبهتها من شدة الحر، عرقٌ شديد بارد تصبب على وجهي حين التفتت وتلاقت أعيننا...


الآن تأكدت ظنوني.. إنها (نورا) حب الصبا...


تبعد عينها عن عيني، وتمسح عرقها مرة أخرى ثم تنظر إلى الخلف قبل أن تعود ببصرها إلى اللامكان في شرود...

أظل أتأملها وأحاول أن أتجاهل تلك الدقات الرتيبة وأتذكر ما كان...


المنشية.. عمارة 6.. مدرسة الشهيد البلتاجي الثانوية المشتركة.. فصل 2/3..


تن.. تن.. تن..


النظرة الأولى.. الحب الأول.. القصيدة الأولى..


تن.. تن.. تن..


تمر السنون أمام عيني سريعة كأنما هى رصاصات تنهمر من رحم بندقية تنجب لأول مرة، ولا أتمكن من ملاحقتها فأخذُ نفساً عميقاً وأنا أعود بذاكرتي إلى المشهد الأخير...


كان هناك نفس الصوت الرتيب، وكان هناك أنا، وكان هناك (نورا)...


القيظ يلفح وجوهنا، والضيق يلفح أنفسنا من الداخل، والصمت هو الملك كما هو الآن، والأرض تهتز تحت أقدامنا كما تهتز الآن...


حينها نظرت لها محاولاً أن أقطع الصمت، لكن لساني لم يطاوعني، إن جريمتي أكبر من أي كلام يقال، نظرت لي هى الأخرى وعيونها بالدموع ممتلئة، وبدا على وجهها أنها تحاول أن تقطع الصمت، لكن الصمت كان أقوى منا...


تبادلنا النظرات والدقات الرتيبة ما زالت تئن في ألم: تن.. تن.. تن..


ظل الصمت ثالثنا حتى رفعت هى يدها وخلعت الدبلة التي نُقش عليها اسمانا ثم وضعتها في يدي ولم تنتظر حتى تنتهي الدقات من الأنين لكنها استدارت وذهبت لتتركني وحدي مع الدبلة والأنين...


حاولت أن أقفز فوق تلك السلسلة وقد تحولت الدقات في أذني إلى صرخات لكن أيادٍ كثيرة جذبتني دون أن تُخرج صوتاً يكسر ذلك الصمت المخيف..


استكنت بين الأيدي ونظرت خلفي نحوها، ورأيتها تسير وتسير حتى اختفت في الأفق، حينها اهتزت الأرض بشدة ثم سكنت وانخفضت السلسلة وعبرت إلى الجانب الأخر، وقد قررت أن أنسى...


تن.. تن.. تن..


أعود إلى الواقع على صوت الدقات الرتيب، وأدرك أني لم أنسَ وأن قراري هذا لم يتحقق يوماً، فـ(نورا) لم تترك مخيلتي لحظة، دوماً كانت معي، طالما جاءتني صورة عينيها الممتلئتين بالدموع فتمنعني من نسيان ما كان...


الآن سأكسر الصمت الذي لم أفلح في كسره يومها!...


أذهب إليها بخطوات واسعة متوترة، أقف جوارها فترفع رأسها لتتقابل أعيننا من جديد، أحاول أن أتكلم لكن سلاسل الصمت التي تقيدني تشد من قبضتها على لساني فيمتنع عن الكلام، أجاهد كي أكسر الصمت الذي كسرني كل تلك السنين لكنه كالعادة أقوى..


تنظر لي وعيناها – هذه المرة – خاويتان من أي تعبير.. بلا دموع.. تتأملني قليلاً ثم تشيح بوجهها، أقف أمامها محاولاً أن أقول شيئاً لكن الكلمات أفلتت من لساني وخضعت في ملكوت الصمت..


يأتي رجلٌ مسرعاً نحونا ثم يقف جوار (نورا) وتمتد يده إلى يدها فتتشابكا قبل أن ينحني نحو أذنها فيهمس فيها بكلمات لا أدريها وإن جعلتها تبتسم فأدرك أنه لا مكان لي هنا وأعود إلى صديقي الذي لم ينتبه كثيراً لاختفائي...


أقف جواره في صمت، وأنا أحسد ذلك الرجل الذي فاز بـ(نورا)، لكني من داخلي أدرك أنه يستحقها فهو – على الأقل – استطاع أن يكسر حاجز الصمت بينهما...


تهتز الأرض بشدة ويعبر ذلك القطار أمام وجوهنا، لكني لا أحاول أن ألقي بنفسي أمامه هذه المرة، يمر أمامنا سريعاً شامخاً بعدما انتظرنا مروره طويلاً، تسقط السلسلة التي تمنعنا من العبور أرضاً، فتعبر (نورا) ورجلها، في حين ألتفت أنا نحو صديقي وأودعه ثم أستدير لأسير عائداً من حيث أتيت... في صمت..


6 مارس 2009


قصة كئيبة بقى عشان خاطر الاستمحانات :)

وعلى فكرة مش حقيقية :))



هناك 14 تعليقًا:

بلاش فضايح يقول...

انا صدقتها والله
قصة جميلة اوى
واقعية تخلى الواحد يصدق انها حقيقية
ماشاء الله اسلوبك حلو فى الكتابة

الصمت ممكن يضيع حاجات كتير مهمة فى الحياة
ممكن يضيع مستقبل كمان
بس ساعات بيكون الصمت اقوى مننا علشان ربنا عايز كدة عايز مواقف معينة تحصل ومواقف متحصلش بس المهم ان احنا نحاول نكسر حاجز الصمت علشان منضيعش على نفسنا فرص مصيرية كتير

بسنت صلاح الدين يقول...

تصدق يا ميسره كام فرصه بتضيع من الواحد فى لحظه صمت ،الكلام مش بيكون حليفك و بيتخلى عنك فى اصعب اللحظات اللى بتكون محتاج له فيها

Unknown يقول...

الله يا واد بجد روعه روعه روعه لأبعد الحدود ^^
بتفكرني بيا :)

ابو بدر الدين يقول...

سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته
انت بصراحةربنا انا شايف فيك شخصية ادبية ما لهاش حل
بس ياريت تتطلع من النكد ده
ربنا يقويك
وسلا ل ل ل ل ل ل م م م م م م م

sad love fairy يقول...

ميسرة
احتارت كلماتى للتعبير عن مدى تأثرى بتلك الكلمات
سلمت يمينك جميلة جدا
انت فعلا موهبة ملهاش حل

ملكة النجوم :)

A.Rahman Rashed يقول...

حلوة اوي يا ميسو..في انتظار البوست التانية..
:)

Mysara يقول...

نونا..

ميرسي يا نونا ربنا يخليكي..

وانتي فعلاً لخصتي كل الكلمات التي أردت قولها في القصة :)

ربنا يبعد عننا الصمت وقتما نحتاج إلى الكلمات :)

منوراني :)

Mysara يقول...

فعلاً يا بسنت معاكي حق، ساعات الواحد بيحس إن في شيء ماسك لسانه ومانعه عن الكلام رغم إنه فعلاً بيكون نفسه يقول كلام كتير..
ربما ده يبرر ليه كلمة (بحبك) صعبة!!

منوراني يا بسنت...

Mysara يقول...

ههههههههههههههههههههههههههههه
ضحكتني يا هيثوم.. يخرب بيت شنباتك :))

ربنا يبعد عننا الصمت يا عم :))

منورني يا زعيم :)

Mysara يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أشكرك يا أبا بدر كثيراً، بصراحة مش لاقي كلام أقوله على كلماتك العذبة :)

بالنسبة للنكد فده كان حاجة كده في وسط ألاف الضحكات... وإن شاء الله الواحد يخلص من كابوس الامتحانات وكله هيبقى تمام...

أشكرك مرة أخرى...

اتمنى ألا تكون المرة الأخيرة التي أرى فيها كلماتك :)

Mysara يقول...

ملكة النجوم بحالها هنا؟!

أتاريني بقول المدونة بتلمع ليه اتاريها مليانة نجوم :))

ميرسي يا ملكة على كل تلك الكلمات الرقيقة التي لا أدري كيف أرد عليها...

نورتيني من غير ما أقول طبعا :))

Mysara يقول...

عبده حبيب قلبي من جوه وعينيا من بره :)

منورني يا صديقي العتيد :))

أية جمال يقول...

كئيبه زى ماقولت,بس ده ميمنعش انها جامده جدا
والصمت فعلا شىء فظيع وانا باكرهه جدا لانه بيضيع حاجات جميله مننا

Mysara يقول...

آية ازيك :)

نورتيني من جديد...

وفعلا الصمت بيضيع علينا حاجات كتير جدا لكنه احيانا - للاسف - يكون أقوى...

منوراني دايما يا أية :))