السبت، 9 مايو 2009

راكب الدراجة...


خرجت من البيت متجهاً إلى أصدقائي، شممت في الهواء رائحة التوتر، موسم الامتحانات قد بدأ وها الصغار عائدون بعد ما انتهوا من امتحان الحساب وعلى وجوههم الفرحة..

سرت على جانب الطريق كعادتي، ووضعت (الهيد فون) في أذني محاولاً أن أنعزل عن العالم، ومتقمصاً شخصية العبقري المتأمل، تساءلت بيني وبين نفسي عن سر الذي أفعله ثم أدركت السبب حين تنبهت إلى تلك الفتاة التي تسير أمامي والتي سأمر جوارها بعد عدة خطوات...

لا أعرفها ولا تعرفني، وفي الغالب لن ترى وجهي قط، إلا أن رغبة بداخلي دفعتني دفعاً لفعل ما أفعله، نفشت صدري ورفعت وجهي إلى السماء، رسمت ابتسامة متأملة على شفتي، وأخرجت من جسدي كل الثقة التي يحتويها لأضعها في عينيي...

اقتربت منها فصارت على بعد خطوة مني، وتعمدت أن أقترب منها لتشم ذلك العطر المركز الذي وضعته قبل أن أنزل، حين لمحت ذلك الرجل يسقط من فوق دراجته...

انتفضت وجريت نحوه في سرعة، حملته من فوق الأرض، وانتفخت عروق جسدي كلها كأنني (هرقل) وقد انتهيت من قتل وحش ذي خمسة رؤوس..

وضعته على الرصيف في حرص وبدأ الناس يلتفون حولنا، بدأوا يربتون على ظهره متعاطفين، كان فاقد النطق والإدراك لكني كنت أعرف كيف أتصرف...

- سيبوه هيفوق لوحده..

صحت بهم بالجملة السابقة، ونظراً لأني أول من أنقذ الرجل، اعتقدوا أنني أعرفه وأعرف ما يمر به...

انهالت على رأسي الأسئلة...

- عربية خبطته؟!
- لا وقع لوحده..
- أنت ابنه؟!
-لا أنا...
- هو إيه اللي حصل؟! عربية خبطته؟!

وتكررت الأسئلة بشكل عجيب، كأنما وجب علىَّ أن أفسر الموقف لكل من حضر متأخراً، نظرت في ساعتي فوجدت دقيقين قد مرتا.. بدأت أقلق على الرجل لكني كنت أثق في معلوماتي بدرجة تفوق توتري.. فانتظرت...

أخيراً أفاق الرجل المسكين، ونظر لنا شاكراً، أخذ يهز يديه بعدما كانتا متجمدتين كالحجر، نظرة عينه مكسورة، لكني استطعت أن أفهم مشاعره، كان يشعر أن كرامته قد جرحت ولابد أن يهرب من هذا المكان، فلتذهب صحته إلى الجحيم المهم ألا يبقى هنا لحظة واحدة...

قام بصعوبة شديدة وكاد يسقط مرة أخرى، لكن ألف يدٍ امتدت لتساعده، بمعاناة ركب دراجته، وبمعونة ألف يدٍ بدأ يسير...

وقفنا جميعاً نرمقه يسير مترنحاً منتظرين سقوطه بين لحظة وأخرى.. لكنه فعل المعجزة وأكمل طريقه...

نظرت حولي فوجدت الجموع تنفض وبحثت بعينيي عن تلك الفتاة التي جذبتني فلم أجدها، سرت قليلاً متأملاً في طبيعة البشر، إنهم حقاً أضعف من أن يظلموا أو يحقدوا أو يعصوا..

وابتسمت حين تذكرت تلك الجموع العطوف وأدركت أنني لن أخشى على نفسي إن فقدت وعيي في الشارع يوماً، فهناك ألف يد ستمتد لتضعني على قدمي من جديد..

لمحت تلك الجموع فوجدت الرجل المسكين قد سقط مرة أخرى يئن، اقتربت منه في جزع كأنما هو أبي، وقلت:

- مش قلتلك مش هتقدر تروح؟ حد يركب عجلة وهو مش قادر يقف؟!

ثم ساعدت الأيدي التي توقفه على قدميه، وركبت دراجته وأشرت للناس أن يضعوه أمامي ففعلوا، سألته عن عنوان بيته فأخبرني...

انطلقت به وقد تأخرت كثيراً عن ميعادي مع أصدقائي، وبعدت أكثر عن المكان الذي سألاقيهم فيه، لكني لم أهتم...

وصلنا إلى حارة بسيطة، فوجدت أناساً كُثر ينقضون علينا في جزع، ساعدوا الرجل على النزول وبدأوا ينظفون له ثيابه من التراب الذي أصابها جراء السقوط.. نزلت من فوق الدراجة وناولتها إلى أهل منطقته فابتسموا لي شاكرين.. فاقتربت منه مبتسماً وقلت:

- خلي بالك من صحتك...
- الله يصلح حالك يا بني.. تعبتك معايا..
- عيب يا حاج.. متقولش كده... ده أنا زي ابنـ....

قاطعني صوت ملهوف خائف يقول:

- بابا.. بابا.. أنت كويس يا بابا؟!

التفتُّ لأجدها تلك الفتاة التي انجذبت إليها!!!

- إيه اللي حصل يا بابا؟!

لثمته وهى تسأله عما حدث، فنظر نحوي بامتنان وقال وهو يشير بسبابته تجاهي:

- الله يصلح حاله جابني لحد هنا...

شعرت بالخجل والدماء الحمراء تتدفق في وجهي، والفتاة تنظر لي نظرة امتنان عميقة، لا أعتقد أن عطري النفاذ كان سيجعلها تمنحني إياها يوماً....


9 مايو 2009


هناك 16 تعليقًا:

بسنت صلاح الدين يقول...

ماااااشى يا عم مكتوبالك،الحقيقه مش عارفه هى بجد ولا خيال زى القواقيز،بس برضه ربنا يكرمك و يجزيك خير،اما بقى الشىء الفظيع الشنيع الفقيع اللى فى القصه..................................................ان الولاد قال ايه راجعين على وجوهم الفرحه من امتحان الحساب انا عمررررررررررررررى مارجعت و على وجهى فرحه ابداااااااا من امتحان الحساب،دايما كانت نظره هنادى فى فيلم دعاء الكروان وانا بقول لماما،وشى منك فى التراب يا امنه قصدى يا ماما،بس يالا هعديها المره دى،جامده اوى القصه

بلاش فضايح يقول...

الله الله
والله جميلة اوى اوى
بس دى بجد؟
بس اهى دى بئا تعلمنا ان
اجرى يابن آدم جرى الوحوش غير رزقك لن تحوش

تسلم ايدك بجد انت موهوب فى الكتابة انا مبقراش قصة لغاية الآخر قريت قصتك كلمة كلمة علشان دمها خفيف واسلوبها حلو

Mysara يقول...

بسنتوتة :)

ههههههههههههههههه ضحكتيني والله خلاص يا ستي عشان خاطرك هنغير الحساب ونخليه الرياضيات :))

نورتيني...

بس هو انتي اعتقدتي إنها حقيقة إكمن أسلوب السرد بطريقة المتكلم، ولا عشان من واقع الحياة؟!

:))

Mysara يقول...

نونا :)

ميرسي جدا يا نونا ربنا يخليكي...

الحمد لله إن القصة قدرت تخليكي تكمليها :)

وبرضه نفس السؤال هل اعتقدتي إنها حقيقية لأنها من واقع الحياة، ولا عشان أسلوب السرد بصيغة المتكلم على ( أفعل أتكلم أكتب )؟!

نورتيني...

بسنت صلاح الدين يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
الاجابه:انا اعتقدت انها حقيقه عشان انا عارفه انك عمرك ماهتكدب علينا هههههههههههههههههههههههههههههههه
لا بجد عشان من الحياه الواقعيه و مش بعيد تحصل يعنى و ربك قادر على كل شىء

ولاء شبانة يقول...

جميلة قصة راكب الدراجه وأسلوبها شيق

Mysara يقول...

هههههههههههههههههههههههههههههههههه
ههههههههههههههههههههههههههههههههههه

ماشي يا بسنت :))

منوراني والله :)

Mysara يقول...

ميرسي يا داليا :)

نورتي المدونة، يا رب تفضلي منوراها على طول :))

بسنت صلاح الدين يقول...

ميسره انا عاوزاك ضرورى تفتح اللينك ده،دى مسابقه معموله للشعر والقصص القصيره والفائزين هتنشر اعمالهم ان شاء الله،عاوزاك تشترك فيها انت تستاهل،وانا كمان اشتركت فيها بقصه قصيرهhttp://amralgendy.blogspot.com/
فى المدونه دى هاتلاقى اللينك اللى تضيف فى اعمالك على الفيس بوك وهى مسابقه تابعه لدار اكتب
عاوزه اشوف اعمالك منوره المسابقه للأسف هو عمل واحد اللى تقدر تشترك بيه فشد حيلك،النتيجه يوم اول الشهر اللى جاى
بالتوفيق

Mysara يقول...

ألف شكر يا بسنت والله بجد مش عارف أقلك إيه.. ألف شكر..

إن شاء الله هشارك...

ألف ألف مليون شكراً :)

Unknown يقول...

جميله جدا يا ميسره و نهايه غير متوقعه :)
طلعت بنت الراجل في الاخر :D

Mysara يقول...

الف شكر يا هيثوم :)

نورتني يا كبير ...

VÖltaa يقول...

سيدى ياسيدى

بس مقولتش عملت ايه بعد كده

يعنى كنت تاخد نمرة البنت علشان تطمن على ابوها بعدين يعنى ^_^

Mysara يقول...

هههههههههههههههههههههههههههههه
محمد باشا.. معلش اتأخرت عليك شويتين بس أنت عارف امتحانات بقى والذي منه :)

على فكرة القصة مش حقيقية والله دي من خيالي، بس كل الحكاية إنها من واقع الحياة :)

أصل افرض كنت قلت إني قتلت الراجل كنتم بلغتم عني ولا إيه؟ :))

نورتني يا محمد باشا وبالنسبة لنمرتها أول ما أجيبها هبعتهالك على طول :))

تحياتي..

أية جمال يقول...

جامده موووووووت
اسلوبك جميل كالعاده
والشهامه مفيش احسن منها

Mysara يقول...

ميرسي موووووووووت يا أية :))

وفعلا الشهامة مفيش احسن منها

منوراني :))